کد مطلب:306547 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:204

اعظم زفاف فی التأریخ


.. فهبطت انوار و شموس صغیرة اضاءت الطریق لموكب العروسین فاحالت الدنیا صباحا مشرقاً، و احاطت الناقة من كل جانب كواكب من نور، واصطفت الملائكة والحور علی جانب الطریق.

فالتفت رسول الرحمة، فرأی اجنحة الملائكة قد نشرت طیبها، و هی ترفرف فوق قطیفة البتول و تقطر من بین اجنحتها مسكاً اذفر، و من حولها حور عین جمیلات.

.. فابتسم رسول الانام و قال متعجباً:

- (ما اهبطكم یا ملائكة اللَّه)؟

فارسلت الملائكة عبیراً من الجنة و اجابت:

- (جئنا نزف فاطمة لعلی یا رسول اللَّه).

.. فابتسم أبو الزهراء و حمد اللَّه، اذ یری جبرائیل أمام الناقة و میكائیل عن یمینها، والملائكة عن یسارها، و هم یكبرون ماشاءاللَّه من التكبیر و التهلیل. [1] .

.. ثم اقترب الامین من الرسول صلی اللَّه علیه و آله و سلم قال:

- (ان رب السماوات والأرض قد بنی جنة من اللؤلؤ فی كل قصبة یاقوتة مشدودة بالذهب، و جعل سقوفها زبرجداً، ثم جعل فیها عیونا تنبع من نواحیها، و حوطها بالانهار و جعل علی الأنهار قبة أریكة من درة بیضاء.. و فرش أرضها بالزعفران لكل قبة مائة باب جاریتان و شجرتان مكتوب حول القباب آیة الكرسی).

.. فتهلل واشرق وجه النبی و قال:

- (یا جبرائیل لمن هذه الجنة العظیمة)؟!!


فأجابه الملك مرفرفاً بجناحیه:

- (لعلی و فاطمة خیر خلق اللَّه و احبهم و اقربهم إلیه). [2] .

فتعالت التكبیرات تلو الاخری، و ما فترت ابداً.

.. اجل مولاتی، لا یخفی علی التاریخ (اننا الیوم نكبر وراء العروس، لانها صارت سُنة، استوحت من یومك الخالد هذا). [3] .

.. توقف موكب العروس.. و اخذت الملائكة تطوف من حوله، لتنحدر من عنده امرأة اذ بدت تجتاز السبیل الملائكی والبشری.. انها (أُم سلمة).

.. وقفت بجنب رسول اللَّه، و استأذنته فی ان تنشد البتول شعراً هدیة منها..

فارتفعت نبراتها المحبوبة و قالت:


سرن بعون اللَّه جاراتی

واشكرنه فی كل حالات


واذكرن ما انعم رب العلا

من كشف مكروه و آفات


فقد هدانا بعد كفر و قد

انعشنا ربُ السماوات


و سرن مع خیر نساء الوری

تفدی بعمات و خالات [4] .


بلی مولاتی البتول یا زینة الدنیا و نورها المضی ء.

كان زفافك اجمل یوم شهده المسلمون جمیعاً.. اذ انه كان مفعماً بالحب والایمان.

و هذا ما جعل مشاعر الجمیع تنشدك الواناً من شعرها، فالحق كل الحق لأُم سلمة أن تخصك بشعرها و هی تری صاحب الدین القویم سید الرسل، المظلل بالغمام، یسوق ناقة ابنته؛ لیزفها إلی بیت بعلها الطاهر علی علیه السلام.

اجل فقد علت وجوه المسلمین مسحة اندهاش، واستغراب، سیطرت علی


كل مشاعرهم و احاسیسهم، فهم لهم یشهدوا مثیلاَّ لهذا الزواج والزفاف المحفوف بصفوف الملائكة، و عطور الجنان.

.. و هل یوجد اعظم من محمد النبی صلی اللَّه علیه و آله و سلم الذی احاطت به العظمة والشموخ، و الرفعة، انه مشهد ما رآه الخلق قبلاً و لا من بعد، و هذا ما جعل (عائشة، و حفصة) المعروفتان بجفاف مشاعرهما فی ان تنشدا سیدة النساء شعراً لما وقع فی قلبیهما من العجب و الابهة.

فتقدمت عائشة من موكب الزهراء بخطوات رشیقة، وارجزت تنشد شعراً مطلعه:


یا نسوة استترن بالمعاجز

واذكرن ما یحسن فی المحاضر


والحمد للَّه علی افضاله

والشكر لله العزیز القادر


.. الخ

.. فكبرنّ النسوة من بعدها.

كان رسول اللَّه صلی اللَّه علیه و آله و سلم بین الفینة و الفینة یتفقد قطیفة زهرائه، اذ یتأملها بعینیه و قلبه یهفو الیها.

فما فاطمة إلّا شجنة من روحه.

فمرت لحظات یسیرات و اذا بحفصة زوجة الرسول، قد اقتربت من ناقته الشهباء كی تعبر عن العظمة التی امتزجت بهذا الموكب، و من علی كثب تتقدم بخطی بطیئه، و بدأت تنشد شعراً و هی تحرك بیدها نحو القطیفة تارة، و تارة اخری نحو الرسول، و هی تقول:


فاطمة خیر نساء البشر

من لها وجه كوجه القمر


فضلك اللَّه علی كل الوری

بفضل من خص بآی الزمر


زوجك اللَّه فتی فاضلاً

أعنی علیاً خیر من فی الحضر


.. الخ


.. فأومأ النبی برأسه الشریف شاكراً لحفصة شعرها الجمیل هذا.. و تمتم بكلمات تنم عن استحسانه لهذه الأبیات.

.. ثم سار الموكب من جدید یحمل معه الآمال، و یفیض بها علی كل الكون بالخیر والحبور.

فقد زفت الزهراء بین الملائكة، و تكبیراتهم و تغارید النسوة، ترتفع بین الآونة والاخری حتی اقتربوا من بین الزوجین الطاهرین والذی بدی من بعید ظاهراً للجمیع بضوء قندیله.. فانحدرت من الموكب (أُم سعد بن معاذ) إحدی زوجات النبی، و هی تتقدم بخفة و نشاط نحو ناقة الزهراء.

فمسكت القطیفة بین یدیها، و كأنها ترید ان تهمس فی اذان فاطمة سراً و بصوت جمیل، قالت:


اقول قولاً فیه ما فیه

و أذكر الخیر و اُبدیه


محمد خیر بنی آدم

ما فیه من كبر و لاتیه


و نحن مع بنت نبی الهدی

ذی شرف قد مكنت فیه


... الخ

.. ثم رجعت وانضمت إلی باقی النسوة و هی تكبر فرحة مسرورة والنساء یرددن من بعدها ابیاتاً من شعرها.

.. وها هی اللحظة الحساسة فی حیاة الزهراء قد أتت.

اللحظة التی تشعر فیها بالفراق عن أبیها، و عن حضنة الدافی ء.

فتنزلت عند ذلك نجوم متلألآت كی تنیر طریق العروسین.

(عروس المساء و الارض)، انها لمستحیة خجلة و قد احطنها النسوة من كل جانب. فتقدم الاب الرؤوف.. ثم دعا علیاً:

- (یا أمیرالمومنین) فأقبل الشاب یمشی بأدب و حیاء مطأطاً برأسه نحو الارض، فأخذ النبی زكیته و وضع یدها بید علی و قال:


- (بارك اللَّه فی ابنة رسول اللَّه، یا علی هذه فاطمة ودیعتی عندك، و یا علی نعم الزوجة فاطمة، و یا فاطمة نعم البعل علی.. اللهم بارك علیهما و بارك لهما فی شبلیهما.. اللهم انهما احب خلقك إلیّ، فأحبهما واجعل علیهما منك حفیظاً.. و انی اُعیذهما و ذریتهما من الشیطان الرجیم) [5] .

.. فأدخلها النبی إلی الدار و قال لعلی:- (انطلق بها).

فانطلق علی بزوجته، حتی اجلسها بجانب من جوانب الحجرة.. اذ كان الحیاء قد طواها.

.. و جلست اذ ذاك أُم أیمن إلی جوار فاطمة، تخفف بحدیثها من بعض هیبتها.

فلقد عم الدنیا نور الزهراء حینما ازهر الیوم لعلی، فبدت اروع و أجمل كائنة تحیا علی الأرض.

و غطی المكان رائحة طیب العنبر، المتساقطة من أجنحة جبرائیل، ففاح اریجه من علی رأسها الشریف عطراً غریباً أطیب من المسك.

.. بلی انها رائحة رسول اللَّه التی ادخرتها فاطمة من عرقه الشریف.

فضمخت بها و بخضاب الجنة.. فصار نسیماً یداعب خدود المسلمین الذین اتوا یزفون ابنة نبیهم.

.. وها هو علی جالس امام زوجته فی الجهة المقابلة لها، مطرق برأسه المشعشع بالانوار نحو الارض.. حین دقت الباب ید رفیقه، فانفلتت أُم أیمن من مجلسها كی تفتح الباب، و ما لبثت أن سمعها الزوجان تهتف بصوت فیاض بالبشر:

- (تفضل یا رسول اللَّه).. فخاطبها المصطفی صلی اللَّه علیه و آله و سلم قائلاً:


- (اَثم اخی)؟!!

- فملكت الدهشة نفس المرأة و قالت متعجبة:

- (فمن أخوك بأبی و أُمی یا نبی اللَّه)؟!

- (علی بن أبی طالب).

.. فانتفضت المرأة و ارتعبت.. (و كیف یكون أخاك و قد زوجته ابنتك).؟!!

- (هو ذا یا أُم أیمن).

.. فدخل الرسول علی العروسین یسطع منه نوره، فنهض له الزوجان اجلالاً و ترحیباً.

فدعا بماء فی اناء فتوضأ فیه، ثم نادی علیاً فجلس الشاب متهیبا بین یدی نبیه.. ثم نادی حبیبته و بضعته.

.. فأقبلت بغیر خمار تتطایر اذیال ثوبها بنفحات نسیم الجنة، و هی تتعثر بمشیتها من الحیاء.

فراح الأب الرحیم یأخذ من الماء، فینضح علی علی آونة و علی فاطمة اُخری و هو لا ینی یرفع صوته بالدعاء إلی اللَّه:

(اللهم بارك فیهما و بارك علیهما، و بارك لهما فی نسلیهما) [6] .

.. ثم أمر النساء بالخروج.. فخرجن جمیعهنّ.. فلما أراد النبی أن یغادر المكان لمح سواداً، یتخاطف من بین عینیه كأنه شبح وراء الستار، فقال صلی اللَّه علیه و آله و سلم: من أنت؟!

.. و بعد سكوت لیس بطویل، سمع صوتاً یقول:

- (اسماء یا رسول اللَّه)، فتعجب النبی و قال: (ألم آمرك أن تخرجی من قبل)؟!!


.. و بنفسٍ متقطع تجیب المرأة و قد اعترتها رعشة:

- (بلی بلی بأبی أنت و أُمی ما قصدت).

.. تجمعت الحروف والكلمات وسط حلق المرأة، و كأنها جمدت، اذ بدت كالصبیان تتهجی حتی ان قالت:

- (اننی أعطیت خدیجة عهداً یا رسول الانام).

.. فعندما سمع المصطفی اسم خدیجة رقت قسماته و التمعت عیناه بفیض الدموع فأردفت أسماء:

- (بأبی أنت و أُمی یا نبی اللَّه، فلقد أوصتنی أُم المؤمنین خدیجة و هی برمقها الأخیر تعالج سكرات الموت، أن لا أنسی غربة فاطمة بمثل هذه اللیلة، فإن فاطمة الیوم مكسورة القلب لأن الفتاة لیلة بنائها لابد لها من امرأة قریبة منها ان عرضت لها حاجة، أو أرادت أمراً أفضت بذلك إلیها.. فجئت أنا لاحرس فاطمة.. فأفی بعهدی الذی عاهدت و أكون كخدیجة أقف قریبة لفاطمة، علها تحتاجنی بمثل هذه الساعات).

.. فابتسم النبی و قال:- (باللَّه الهذا وقفت)؟!

قالت:- (نعم واللَّه یا رسول اللَّه).

.. فرفع رأسه و یدیه نحو السماء، و قال: (یا اسماء قضی اللَّه لك حوائج الدنیا و الآخرة). [7] .

من هنا.. التقت عینا علی بفاطمة كی یبدآن حیاة جدیدة سعیدة، سویة فی ظل الاسلام و نبیها العظیم.


فنثرت شجرة طوبی آخر حملها الا و هی صكوك بأسماء شیعتكم و محبیكم. [8] .

وابتسم الفغران علی و فاطمة، حینما لاح اُفق نوریهما فی أعلی علیین. فعلا وجوه الملائكة والحور، و أضاء الكون و الملكوت بنوركما، نور الحب الذی تحملانه.. فتسدلانه علی العمیم.

غادر نبی الوری المكان، ثم هم ان یجتاز الباب إلی الخارج فمنعه حنان الأب و عطفه، و حبه و شدة التعلق الذی كان یربطه و فاطمة..

اذ كان یحرص كل الحرص فی ان یقرنها بمن یحقق لها السعادة.

.. كل هذه المشاعر و الاحاسیس تجمعت كلها فی رقة نظراته و عذوبة ابتسامته.. فالتفت یقول لها اذ یودعها:

- «واللَّه ما الوت أن زوجتك خیر أهلی» [9] ثم ترك بینهما الوفاق و الوفاء و بركة الدعاء، الذی دعا لهما به و لم یخص أحداً غیرهما و ظل لسانه یدعو حتی تواری صلی اللَّه علیه و آله و سلم.



[1] رواه: تاريخ بغداد للبغدادي ج 5 ص 7، محب الدين الطبري ص 32، الحافظ أبوقاسم الدمشقي.

[2] رواه الطبراني، ذخائر العقبي، السمان في الموافقة.

[3] ذكره في ينابيع المودة ج 1.

[4] اعيان الشيعة ج 1 ص 312، مناقب أبي طالب ج 3 ص 354.

[5] ذكره صاحب الرياض النضرة ج 2 ص 180، أبوحاتم ص 181، المناقب، المتقي ج 7 ص 113، الهيثمي ج 9 ص 209، الطبراني ابن حجر ص 84، الطبري ص 27.

[6] رواه الهيثمي في مجمعه ج 9 ص 209، ابن سعد في طبقاته ج 8 ص 14- 15، خصائص النسائي ص 32، مستدرك الصحيحين ج 3 ص 159، الطبراني، محب الدين الطبري في الرياض النظرة ج 2 ص 181، أحمد في المناقب، ذخائر العقبي ص 29. كما و اخرجها الدولابي.

[7] رواه: صاحب مستدرك الصحيحين ج 3 ص 159، الهيثمي ج 9 ص 210، الطبراني، الطبري في الرياض ج 2 ص 181، الذخائر ص 29، خصائص النسائي ص 32.

[8] فيمن روي ان شجرة الطوبي نثرت رقاعاً أو صكوكاً بعدد محبي آل البيت، أبوبكر الخوارزمي في تاريخ بغداد ج 4 ص 210، الصواعق ص 103، اسدالغابة ج 1 ص 206، ابن الاثير ج 2 ص 358، الاصابة ج 3 القسم (1) ص 134، كما ذكرها صاحب الصحاح. و غيرهم.

[9] خصائص النسائي ص 32، الهيثمي في مجمعه ج 9 ص 207، مع قليل من التغيير، مستدرك الصحيحين ج 3 ص 159، مع قليل من التغيير، أحمد في المناقب، الطبراني، الطبري في الرياض النضرة ج 2 ص 181، ذخائر العقبي ص 29.